لقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم مهمة القائد وذلك عندما خاطب الأنصار عقب غزوة حنين وبعد توزيع الغنائم
فقد أخرج البخاري رحمه الله تعالى عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقــَالَ: « يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي». كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ[1].
إذن ما قدمه النبي عليه الصلاة والسلام للأنصار بينه في قوله على الترتيب:
1- أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي.
2- وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي.
3- وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي.
ثم بعد ذلك أعطاهم أعطية لهي أغلى عليهم من أرواحهم، ألا وهي قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث نفسه: « أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ، لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى عَلَى الْحَوْضِ»[1].
إذن يمكننا أن نستخلص من هذا الحديث المبارك مهمة القائد الناجح: وهي
1- أن يهييء ظروف السلامة الدينية لأمته، من نشر لوسائل الهداية وطمس لوسائل الغواية.
2- أن بذل الجهد في تجميع الأمة على قلب رجل واحد، ورفع مصلحة المجتمع فوق مصلحة الأفراد، مع الأخذ بعين الاعتبار تعويض الفرد عن مصلحته بما يرضي الله تعالى.
3- أن يغني أمته بكل ما يحتاجون، وليكن مَثَلُه في ذلك أميـر المؤمنيـن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه أنس رضي الله عنه قال:" كانت بطن عمر تقرقر عام الرماد من أكل الزيت، وكان قد حرم على نفسه السمن، قال: فكان ينقر بطنه بأصبعـه ويقول قرقري أو لا تقرقري فوالله لا تأكلي السمن حتى يأكله الناس"[2].
وبذلك يضع الله تعالى له المحبة في قلوب أمته، وأقصد المحبة الصادقة، التي تدفعهم إلى الموت فداءً لقائدهم.
القيادة مدرسة بحد ذاتيها وقد جسدها الرسول صلى الله عليه وسلم
بارك الله بك يا دانة .. وجعل الفائدة من مقالك حسنات في ميزانك