جفون مغمضه !!!

أجفان مغمضه ...


كان ينظر الى وجهها وكأنه ينظر الى شيء مقدس .. كانت عيونه ترنوا الى تقاسيمها تتأمل فيها وتحفظها .. لكأنه كان يرى وجه امه لأول مرة ...
كانت أمه ترقد على السرير أمامه بلا حراك .. اخذت السنوات من عمرها الكثير .. ومن وجهها الملائكي نداوته حتى تركته مصفراً مثل اوراق الخريف .. أما هو فمنذ الازل وهو جالس أمامها يرمقها بعيون متأمله ... ما ضرّه ان يجلس الى جانبها ساعات ما همه ان سطعت الشمس أو غابت .. أن مر النهار أو انقضى الليل ..
فالوقت كان يفقد قيمته .. والحياه بأكملها ما عادت تعني بالنسبة له شيئاً .. اكثر ما كان يهمه ان تصحوا .. أن تفتح عينيها لتراه .. فآخر ما كان يفكر به أن تغادر أمه ولو للحظات امسك يدها الدافئه ورفعها حتى لامست شفتاه .. قبلها عميقاً ثم اعادها لمكانها وكأنه يتلمس شيئاً ملوكياً .. قال لها :


امي .. ارجوك إستيقظي ها انا ذا .. ابنك المدلل الذي أطبقت عليه جفناك .. ما بالك تتركينه اليوم دون أن تنظري إليه .. أمي .. الاغبياء في هذه المستشفى يقولون انك سترحلين قريباً لكني ما صدقتهم ..


لمن تتركيني في هذه الدنيا اتخبط فيها وحدي ؟ فيما أريدها الدنيا دون عيناك ؟ كيف اصحوا كل صباح دون أن تداعب أناملك خصلاتي .. من يحيطني بدعواته .. ان يحميني الله ويرعاني .. من يربت على كتفي إن ضاقت بي دنياي .. من يسمعني أبكي في المساء فيأتي ليمنحني صدره لأبكي عليه حتى اغفو .. من ؟ ما كانت دموعه بالنسبة له الا كبرياء .. لذلك ما كان ليذرفها عبثاً لكنه الان يذرفها على دون علم منه ودون حدود ..
قال لها : كيف اعود الى البيت ؟ ماذا أقول ان سألتني أوراق الكرم عن اناملك ؟ ماذا اقول لازهار الشرفه ان سألتني : من يروني بعد اليوم ؟ سيموت الريحان يا امي في حديقتك الصغيره .. سيموت النرجس والدحنون .. ويموت الربيع ..
كيف اجيب بسمة طفل تعود ان يأخذ منك شيئاً في العيد .. كيف اجيب الحي والشارع والجيران .. ارشديني أمي لأسلوب لا اتلعثم أو ابكي فيه ..


امي ... بعد يومين عيدي .. اتبخلين علي بيومين وقد منحتني عمرك كاملاً .. ما رأيك ان تنتظري حتى نشهده سوياً .. أريد انا ان اعود طفلاً .. فرجولتي لا تعني لي شيئاً من دونك .. أو ما رأيك ان تنتظري حتى انجب لك طفلاً .. اكثر من مره قلتي لي .. متى ارى لك بيتاً وعروساً .. متى تمنحني حفيداً اربت على كتفيه في المساء .. واحكي له حكاية سعيده مثل احلام العذارى ...
امي .. ما كنت لأتخيل يوماً انك ستغادرينني .. وترحلي عني لذلك ما قدرتك حق قدرك..
وبقيت آخذ منك حتى آخر لحظاتك ..


امي سامحيني فأنا أخطأت .. حتى اصبحت اخطاءي تجثو على قلبك أياماً وسنوات .. إغفري لي حماقاتي .. وأرضي عني !!
ظل يكرر هذه الكلمه كثيراً وعيونه الدامعه ترنو إلى وجهها دونما إنقطاع .. اكثر ما كان يؤرقه أنه قبل مرضها بأيام سافر على الرغم من اعتراضها الشديد .. كانت هذه اول مره يرفض لها طلباً .. أويكون هذا عقاب الأيام ؟ وأي عقاب إكثر إيلاماً من هذا؟!!
اكثر ما كان يدميه هو ان تبقى أجفان أمه مغمضه الى الابد دون ان يدري الى أي مصير سيؤول .. دون ان يضع حداً لهذه الحيره التي تكتنفه من كل صوب ...
اكثر ما كان يبكيه .. وقوفه عاجزاً أما جسدها .. لا يقوى فعل اي شيء .. لأغلى ما في الوجود ...
تسمرت كل اركانه وتوقفت وكأنها شجرة بالية وسط غابات الرمان .. فلا تمطر السماء لتورق .. ولا يجتثها الحطاب ليريحه من عناء النظر الى ما لا يريد النظر اليه ...


كان كلما ترواده فكرة أن ترحل أمه عنه يشعر أن لهيباً ما يشتعل في حناياه .. فيقبض بعنف على يديها الدافئتين ...


توقفت يداه كشيخ عاجز وتدعثرة خطواته كطفل في سنواته الاولى .. وبكى رغماً عنه حتى كادت دموعه تستل من عينيه بريقها ..


حاول ان يقول شيئاً لكن لسانه ما عاد يذكر الا كلمات قليله أخذ يبعثرها على اطلال لغته المتلعثمة ...
امي ابقي كي تغفري لي حماقاتي
وترضي عني ...



بقلمي :
احمد ... شيء من فراق !!!